الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
يريد: أصابوه، وما ذهبوا إليه من تعيين الربط أنه فيه، أو الضمير هو الظاهر، وقد يجوز على رأي الكوفيين أن يكون ثم رابط، ولا تكون الجملة صفة، بل مضاف إليها يوم محذوف لدلالة ما قبله عليه، التقدير: واتقوا يومًا يوم لا تجزي، فحذف يوم لدلالة يومًا عليه، فيصير المحذوف في الإضافة نظير الملفوظ به في نحو قوله تعالى: {هذا يوم لا ينطقون} ونظير يوم لا تملك، لا تحتاج الجملة إلى ضمير، ويكون إعراب ذلك المحذوف بدلًا، وهو بدل كل من كل، ومنه قول الشاعر: في رواية من خفض التقدير أعظم طلحة.وقد قالت العرب: يعجبني الإكرام عندك سعد، بنية: يعجبني الإكرام إكرام سعد.وحكى الكسائي عن العرب: أطعمونا لحمًا سمينًا شاة ذبحوها، أي لحم شاة.وحكى الفراء عن العرب: أما والله لو تعلمون العلم الكبيرة سنه، الدقيق عظمه، على تقديره: لو تعلمون علم الكبيرة سنه، فحذف الثاني اعتمادًا على الأول، ولم يجز البصريون ما أجازه الكوفيون من حذف المضاف وترك المضاف إليه على خفضه في: يعجبني القيام زيد، ولا يبعد ترجيح حذف يوم لدلالة ما قبله عليه بهذا المسموع الذي حكاه الكسائي والفراء عن العرب.ويحسن هذا التخريج كون المضاف إليه جملة، فلا يظهر فيها إعراب، فيتنافر مع إعراب ما قبله، فإذا جاز ذلك في نثرهم مع التنافر، فلأن يجوز مع عدم التنافر أولى.ولم أر أحدًا من المعربين والمفسرين خرجوا هذه الجملة هذا التخريج، بل هم مجمعون على أن الجملة صفة ليوم، ويلزم من ذلك حذف الرابط أيضًا من الجمل المعطوفة على {لا تجزي} أي ولا يقبل منها شفاعة فيه، ولا يؤخذ منها عدل فيه، ولا هم ينصرون فيه، وعلى ذلك التخريج لا يحتاج إلى إضمار هذه الرّوابط.{نفس عن نفس شيئًا} كلاهما نكرة في سياق النفي فتعم.ومعنى التنكير: أن نفسًا من الأنفس لا تجزي عن نفس من الأنفس شيئًا من الأشياء، قال الزمخشري: وفيه إقناط كلي قاطع من المطامع، وهذا على مذهبه في أن لا شفاعة.وقال بعضهم: التقدير عن نفس كافرة، فقيدها بالكفر، وفيه دلالة على أن النفس تجزي عن نفس مؤمنة، وذلك بمفهوم الصفة.ويأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى عند الكلام على قوله: {ولا يقبل منها شفاعة}.وقرأ أبو السرار الغنوي: لا تجزي نسمة عن نسمة، وانتصاب شيئًا على أنه مفعول به، أي لا يقضي شيئًا، أي حقًا من الحقوق، ويجوز أن يكون انتصابه على المصدر، أي: ولا تجزي شيئًا من الجزاء، قاله الأخفش، وفيه إشارة إلى القلة، كقولك: ضربت شيئًا من الضرب.{ولا يقبل منها شفاعة} قرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا تقبل بالتاء، وهو القياس والأكثر، ومن قرأ بالياء فهو أيضًا جاز فصيح لمجاز التأنيث، وحسنة أيضًا الفصل بين الفعل ومرفوعه.وقرأ سفيان: ولا يقبل بفتح الياء ونصب شفاعة على البناء للفاعل، وفي ذلك التفات وخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب، لأن قبله: {اذكروا نعمتي} و{إني فضلتكم} وبناؤه للمفعول أبلغ لأنه في اللفظ أعم، وإن كان يعلم أن الذي لا يقبل هو الله تعالى.والضمير في منها عائد على نفس المتأخرة لأنها أقرب مذكور، أي لا يقبل من النفس المستشفعة شفاعة شافع، ويجوز أن يعود الضمير على نفس الأولى، أي ولا يقبل من النفس التي لا تجزي عن نفس شيئًا شفاعة، هي بصدد أن لو شفعت لم يقبل منها، وقد يظهر ترجيح عودها إلى النفس الأولى، لأنها هي المحدث عنها في قوله: {لا تجزي نفس عن نفس} والنفس الثانية هي مذكورة على سبيل الفضلة لا العمدة.وظاهر قوله: {ولا يقبل منها شفاعة} نفي القبول ووجود الشفاعة، ويجوز أن يكون من باب: نفي القبول، والمقصود نفي الشفاعة، كأنه قيل: لا شفاعة، فتقبل.وقد اختلف المفسرون في فهم هذا على ستة أقوال:الأول: أنه لفظ عام لمعنى خاص، والمراد: الذين قالوا من بني إسرائيل نحن أبناء الله، وأبناء أنبيائه، وأنهم يشفعون لنا عند الله، فرد عليهم ذلك، وأويسوا منه لكفرهم، وعلى هذا تكون النفس الأولى مؤمنة، والثانية كافرة، والكافر لا تنفعه شفاعة لقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين}.الثاني: معناه لا يجدون شفيعًا تقبل شفاعته، لعجز المشفوع فيه عنه، وهو قول الحسن.الثالث: معناه لا يجيب الشافع المشفوع فيه إلى الشفاعة، وإن كان لو شفع لشفع.الرابع: معناه حيث لم يأذن الله في الشفاعة للكفار، ولابد من إذن من الله بتقدم الشافع بالشفاعة لقوله: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}.الخامس: معناه ليس لها شفاعة، فيكون لها قبول، وقد تقدم هذا القول.السادس: أنه نفي عام، أي لا يقبل في غيرها، لا مؤمنة ولا كافرة، في مؤمنة ولا كافرة، قاله الزمخشري.وأجمع أهل السنة أن شفاعة الأنبياء والصالحين تقبل في العصاة من المؤمنين، خلافًا للمعتزلة، قالوا: الكبيرة تخلد صاحبها في النار، وأنكروا الشفاعة، وهم على ضربين: طائفة أنكرت الشفاعة إنكارًا كليًا وقالوا: لا تقبل شفاعة أحد في أحد، واستدلوا بظواهر آيات، وخص تلك الظواهر أصحابنا بالكفار لثبوت الأحاديث الصحيحة في الشفاعة.وطائفة أنكرت الشفاعة في أهل الكبائر، قالوا: وإنما تقبل في الصغائر.وقال في المنتخب: أجمعت الأمة على أن لمحمد صلى الله عليه وسلم شفاعة في الآخرة، واختلفوا لمن تكون.فذهبت المعتزلة إلى أنها للمستحقين الثواب، وتأثيرها في أن تحصل زيادة من المنافع على قدر ما استحقوه.وقال أصحابنا: تأثيرها في إسقاط العذاب عن المستحقين، إما بأن لا يدخلوا النار، وإما في أن يخرجوا منها بعد دخولها ويدخلون الجنة، واتفقوا على أنها ليست للكفار، ثم ذكر نحوًا من ست أوراق في الاستدلال للطائفتين، ورد بعضهم على بعض، يوقف عليها في ذلك الكتاب.{ولا يؤخذ منها عدل} العدل: الفدية، قاله ابن عباس وأبو العالية، وسميت عدلًا لأن المفدى يعدل بها: أي يساويها، أو البدل: أي رجل مكان رجل.وروي عن ابن عباس: أو حسنة مع الشرك ثلاثة أقوال.{ولا هم ينصرون} أتى بالضمير مجموعًا على معنى نفس، لأنها نكرة في سياق النفي فتعم، كقوله تعالى: {فما منكم من أحد عنه حاجزين} وأتى به مذكرًا لأنه أريد بالنفوس الأشخاص كقولهم: ثلاثة أنفس، وجعل حرف النفي منسحبًا على جملة اسمية ليكون الضمير مذكورًا مرتين، فيتأكد ذكر المنفي عنه النصر بذكره مرتين، وحسن الحمل على المعنى كون ذلك في آخر فاصلة، فيحصل بذلك التناسب في الفواصل، بخلاف أن لو جاء ولا تنصر، إذ كان يفوت التناسب.ويحتمل رفع هذا الضمير وجهين من الإعراب.أحدهما: وهو المتبادر إلى أذهان المعربين أنه مبتدأ، والجملة بعده في موضع رفع على الخبر.والوجه الثاني: وهو أغمض الوجهين وأغربهما أنه مفعول لم يسم فاعله، يفسر فعله الفعل الذي بعده، وتكون المسألة من باب الاشتغال، وذلك أن لا هي من الأدوات التي هي أولى بالفعل، كهمزة الاستفهام.فكما يجوز في: أزيد قائم، وأزيد يضرب، الرفع على الاشتغال، فكذلك هذا، ويقوي هذا الوجه أنه تقدم جملة فعلية.والحكم في باب الاشتغال أنه إذا تقدمت جملة فعلية وعطف عليها بشرط العطف المذكور في ذلك الباب، فالأفصح الحمل على الفعل، ويجوز الابتداء كما ذكرنا أولًا، ويقوي عود الضمير إلى نفس الثانية بناء الفعل للمفعول، إذا لو كان عائدًا على نفس الأولى لكان مبنيًا للفاعل، كقوله: {لا تجزي}.ومن المفسرين من جعل الضمير في ولا هم عائدًا على النفسين معًا، قال: لأن التثنية جمع قالوا، وفي معنى النصر للمفسرين هنا ثلاثة أقوال: أحدها: أن معناه لا يمنعون من عذاب الله.الثاني: لا يجدون ناصرًا ينصرهم ولا شافعًا يشفع لهم.الثالث: لا يعاونون على خلاصهم وفكاكهم من موبقات أعمالهم.وثلاثة الأقوال هذه متقاربة المعنى، وجاء النفي لهذه الجمل هنا بلا المستعملة لنفي المستقبل في الأكثر، وكذلك هذه الأشياء الأربعة هي مستقبلة، لأن هذا اليوم لم يقع بعد.وترتيب هذه الجمل في غاية الفصاحة، وهي على حسب الواقع في الدنيا، لأن المأخوذ بحق، إما أن يؤدى عنه الحق فيخلص، أو لا يقضى عنه فيشفع فيه، أو لا يشفع فيه فيفدى، أو لا يفدى فيتعاون بالإخوان على تخليصه.فهذه مراتب يتلو بعضها بعضًا.فلهذا، والله أعلم، جاءت مترتبة في الذكر هكذا.ولما كان الأمر مختلفًا عند الناس في الشفاعة والفدية، فمن يغلب عليه حب الرياسة قدم الشفاعة على الفدية، ومن يغلب عليه حب المال قدم الفدية على الشفاعة، جاءت هذه الجمل هنا مقدمًا فيها الشفاعة، وجاءت الفدية مقدمة على الشفاعة في جملة أخرى، ليدل ذلك على اختلاف الأمرين.وبدئ هنا بالشفاعة، لأن ذلك أليق بعلوّ النفس، وجاء هنا بلفظ القبول، وهناك بلفظ النفع، إشارة إلى أنتفاء أصل الشيء، وانتفاء ما يترتب عليه.وبدئ هنا بالقبول، لأنه أصل للشيء المترتب عليه، فأعطى المتقدم ذكر المتقدم وجودًا، وأخر هناك النفع إعطاء للمتأخر ذكر المتأخر وجودًا. اهـ.
|